الخطوة القادمة شريحة تحت الجلد

أحمد حسنين الحسنية
[email protected]
الحوار المتمدن - العدد: 2108 - 2007 / 11 / 23

أعتقد أن هذه الفترة هي أكثر الفترات سوء في الهجوم على الحريات الأساسية خلال الخمسين عاماً الماضية، و لا أعني بهذا بطبيعة الحال مصر، بل ما أعنيه دول العالم الحر بالغرب، فالكثير مما قد إكتسبته الكثير من شعوب أوروبا الغربية، و شعوب أمريكا الشمالية، يتآكل كل يوم بمبرر المخاوف المفترضة.
في هذا الشهر، نوفمبر 2007، تغلبت قوى التسلط على قوى الحرية، في معركة برلمانية، سبقتها معارك إعلامية، حيث وافق البرلمان الألماني الإتحادي على مجموعة من القواعد المنتهكة للحرية الشخصية للشعب الألماني، و للمقيمين على الأراضي الألمانية، فسمح بتسجيل جميع المكالمات الهاتفية، و تحديد المواقع التقريبية للهواتف المحمولة، أي تحديد موقع الهاتف المحمول بشكل تقريبي، تصل نسبة الخطأ فيه إلى أمتار قليلة، تصل إلى فقط عشرين متراً أو أقل.
كما وافق البرلمان الألماني على تخزين الرسائل الإلكترونية، و عناوين الإتصالات، على شبكة الإنترنت.
أي أصبح كل المقيمين في ناطق الدولة الألمانية، تحت الرقابة، فقط ينقص أن يتم زراعة شريحة إلكترونية تحت الجلد لكل مواطن و مقيم، فلربما نسى يوم شخص ما أخذ هاتفه المحمول قبل مغادرة مسكنه، أو تركه سهواً في مكتبه قبل المغادرة إلى مسكنه، أو سرقه أحدهم و ذهب به إلى مكان مشبوة، أو قرر مواطن أو مقيم التمشي يوماً مع أسرته بدون أن يحمل أحدهم جهاز إلكتروني على الإطلاق.
القضية ألمانية في الصميم، فهذه هي السيادة الوطنية لكل دولة، و إن أحزنتنا، ذلك أن أحد قلاع الحرية تتهاوى تحت ضربات التسلط، و تسير في طريق النازي، و الذي لم تبرأ من آثاره نهائياً بعد، إنما أذكر ذلك لأقول بإننا جميعا كمصريين مراقبين بالتأكيد مثلهم و من قبلهم بسنين، و بدون الحاجة لموافقة المجلس الصوري للشعب المصري.
فبالتأكيد جميع الإتصالات الهاتفية تسجل، و بخاصة من المحمول، مثلما ستفعل ألمانيا، و بالتأكيد كل الرسائل الإلكترونية، و حتى مجرد الإبحار في الإنترنت تحت الرقابة، خاصة للنشطاء السياسيين، هم و أقاربهم و أصدقائهم، و بالتأكيد كل تحركات النشطاء مرصودة مادام معهم هاتفهم أو حاسبهم المحمول.
و لعل من المناسب ذكر قصة حقيقية، لبيان مدى التموية الذي تمارسه وسائل الإعلام الرسمي لصالح الأجهزة الأمنية في مصر.
فبعد أن دخل المحمول الخدمة في مصر في نوفمبر 1997، أي منذ عشرة أعوام، بادرت جريدة الأهرام، لسان حال طغمة الفساد و الإستبداد الحاكمة، بنشر موضوع في نهاية الصفحة الأولى، يقول فيه الأهرام، و كأنه يزف بشرى للقراء، بأن من المستحيل التصنت على المكالمات الهاتفية للمحمول، و إستحالة تسجيلها بالتالي، و إن المحمول هو الأكثر أماناً في إجراء الإتصالات، و إن تلك الخاصية تجعل من المحمول خطراً حيث يصبح هو الأكثر تفضيلاً للإرهابيين و المجرمين في الإتصال، مع العلم أن إيطاليا كانت في نفس الفترة تقوم بتسجيل كافة الإتصالات التي يدخل فيها المحمول طرفاً، و التي تجرى من الأراضي الإيطالية، سواء كان الشخص تحت الرقابة أو لم يكن، لحفظها في أرشيف خاص، فربما يتم الحاجة إليها في المستقبل.
على إنك كمواطن مصري لا تعتقد بأن الأمر ينتهي عند ذلك، من إنتهاك حرياتك الأساسية، و تتبع خطواتك بطول مصر و عرضها، لا ، فهناك تكنولوجيا أخرى، ربما لا تحتاجها الدول الغربية بعد، و إن كانت هي من إبتدعتها لأسباب فنية، و هي تكنولوجيا فحواها القدرة على إجراء أحاديث لك، لم ينطق بها فمك. فبالإمكان اليوم تكملة محادثة هاتفية، فلم تعد تكنولوجيا اليوم تقوم فقط على التصنت العتيق و التسجيل النص فقط، و لا فقط على طريقة القص و اللصق التي أصبحت أيضاً قديمة، بل أصبحت هناك تكنولوجيا تجعلك تقول ما لم يخطر على بالك يوماً، و لم تحادث به حتى نفسك، و ذلك بمحاكاة صوتك بإستعمال الأجهزة الإلكترونية، و هي تكنولوجيا مفيدة للأنظمة التي تعمد إلى تلفيق التهم، أو التي تعمل على تشويه المعارضين بقتلهم معنوياًً، من الدول التي أنشأت الأجهزة الأمنية بها على غرار جهاز المخابرات الشهير في ألمانيا الشرقية السابقة، كالأجهزة الأمنية المصرية.
اليوم لم يعد أحد خارج نطاق المراقبة، و لم يعد أحد في حصانة من التشوية، و لم تعد - و هذا هو الأهم لنا كمواطنين مسالمين - خصوصية، و كله بالقانون و بالتكنولوجيا، و أصبحت مساحة الحريات بالعالم تتآكل.
اليوم على شعوب الغرب الإنضمام لنا في النضال السلمي من أجل الحرية، فمعركة الحرية لا تنتهي أبداً، و أول الحريات هي حق حفظ الحياة الشخصية بعيداً عن التلصص.