|  | غلق |  | خيارات وادوات | 
  سهيل أحمد بهجت
	
 [email protected] 
	
	 الحوار المتمدن - العدد: 2108 - 2007 / 11 / 23 
التشيّــع و الفـــتح المـــغولي 
أدى الصراع العباسي مع الدول الشيعية ، البويهيون في الشرق و الفاطميون في الغرب و الحمدانيون في الشمال و القرامطة في الجزيرة العربية ، و هم يتبعون المذهب الإسماعيلي ، أدى هذا الصراع إلى توتر العلاقة بين الدولة العباسية و الشيعة و عودة عهود الاضطهاد ، و كانت السلطة "العباسية" ذات الطابع المذهبي السني ، تتحيز ضد الشيعة عند نشوب فتنة أو حدوث مشكلة مذهبية ، و قد شهدت بغداد بعضا من هذه الفتن و التي كانت تتحول إلى ما يشبه المذابح .
إن من يظن أن عهود الظلام في الإسلام بدأت مع الفتح المغولي ، يخطئ حتما ، فالأحداث التاريخية التي شهدها العالم الإسلامي خلال القرن الخامس و السادس الهجريين ـ الثاني عشر و الثالث عشر ميلاديين ـ تدل على تصاعد التعصب الديني و المذهبي و انحسار سيطرة "الإسلام العقلي" المتمثل في الشيعة و المعتزلة و فئة من السُّنّة "ابن رشد مثالا" ، و كانت الخلافة العباسية تعيش حالة رهيبة من الانحلال الخلقي و إهمال واجبات السلطة ، و الخليفة لم يكن له همّ سوى الجواري و الغلمان و مقارعة الخمر و قمع الشعب الفقير للاستمرار في الحكم .
هنا و في بداية القرن السابع الهجري ، الثالث عشر الميلادي ، ظهر فاتح هز اسمه و اسم جيوشه التاريخ ، فعلى الرقعة الممتدة من شمال الصين حيث البادية الواسعة ، استطاع قائد مغمور اسمه "TIMU CHIN"  و المعروف بلقب "جنكيزخان" ، أن يوحد القبائل المغولية من "مغول" و "تاتار" و "نايمن" و "المركيت" و هاجم الدول و الإمبراطوريات المحيطة بهم ، و خلال عشرين سنة فقط ، أنشأ إمبراطورية ممتدة من النصف الشمالي للصين و حتى شمــال إيران و حدود أوروبا الشرقية .
و خلال خمسين سنة الأخرى توجهت أنظار المغول نحو منطقة الشرق الأوسط ، خصوصا و بعد أن تسبب سلطان "خوارزم" في حرب مع المغول دمرت مملكته و إلى الأبد ، و من هذه المرحلة و ما بعدها ، بدأ احتكاك الشرق الإسلامي بالمغول ، و من ضمنهم الشيعة طبعا ، إن الشيعة اتهموا من قبل السنة بأنهم هم من جلب المغول و دعاهم لتدمير الخلافة العباسية ، و الحقيقة أن المغول كانوا ينوون أصلا أن يفتحوا بلدان الشرق الأوسط ، بدون أن يدعوهم أحد ، و لكن تبقى الحقيقة التي تقول : أنه لو لا الفتح المـغولي لما استعاد الشيعة جزءا كبيرا من حريتهم ، خصوصا و أن المغول ، خصوصا "جنكيزخان" ، كانوا يؤمنون بحرية العبادة و المعتقد ، و هو أمر لم يعتده العالم الإسلامي ـ  إلا من استثناءات نادرة ـ و بالتالي كان حق إعلان الدين و العقيدة مكفولا للجميع ، و الشيعة من بينهم.
الملاحظ أن للشيعة أبحاثا و دراسات تتعلق بهذا الموضوع ، و من جملة ذلك ما كتبه الشيخ "عــلي الكَوراني" بعنوان "الشيعة هم من رد المغول" و البحث منشور على موقع منتدى البحرين ، و الحقيقة أن الأبحاث التي يصدرها كلا الطرفين ، السني و الشيعي ، لا تعدوا أن تكون أبحاثا مصممة مسبقا ، للدفاع أو الهجوم على صاحب العقيدة المخالفة ، و ليست بحوثا تاريخية تهدف إلى الإحاطة بتاريخ تلك الفترة ، المشكلة الأخرى فهذه الأبحاث هي أن الطرف السني مثلا يُصر على نظرية المؤامرة "الشيعية ـ المغولية" ، مع أن المد المغولي اكتسح جلّ العالم القديم و دون نظريات مؤامرة ، و المشكلة الأخرى أن الشيعة تعاملوا مع هذه "التهمة"! تعاملا ينطلق من عقدة "الشعور بالنقص" ، بالتالي يقوم باحثوهم بإنكار حقيقة الاستفادة الشيعية من قوانين "الحرية الدينية" التي قام المغول بتطبيقها ، و أنا شخصيا لا أرى في ذلك تهمة أو سبة ، من هنا انطلق الشيعة القدماء ، و يبدو أنهم لم يأبهوا لمزاعم الخصوم على عكس الشيعة في عصرنا ، فأكدوا : أن الكـــافر العـادل خـــــــير من المسلم الظـــــالم" ، و هو مبدأ كان موجودا في صلب العقيدة الشيعية ، لكنه أصبح أكثر وضوحا بعد الحريات الجديدة ، لكن هذا طبعا لا يعني أن الحال استمر كذلك ، إذ سرعان ما أصيب حكام المغول و أباطرتهم بأمراض المسلمين ، إذ تنافس الطرفان "السني ـ الشيعي"  في إقناع السلطة بالقبول بنظريتها ، و كان الحــــكم المــغولي "الوثني" أفضل من ذلك الإسلامي ، إذ كان طرفا محايدا على الأقل.
غير أن الحكم المغولي لم يدم أكثر من قرن و نصف ، في هذه المنطقة ، و تفتت السلطة المركزية و ضعفت أكثر فأكثر ، فأصبحت السلطات في ظل المماليك و إلى حين ظهور الامبراطوريتين "العثمانية" و "الصفوية" ، مجرد حكومات محلية ضعيفة لا تهتم إلا بجباية "الضرائب" و الولاء الشكلي أو الرمزي.
| خدمات جديدة : 
المفضلات الاجتماعية Social Bookmarks |